هل توقع إدوارد سعيد هولوكوست غزة؟
مهنا الحبيل
في 16 من يناير 2009 عقدت في الدوحة قمة غزة، وهي القمة العربية التي دعت لها قطر، خلال العدوان الصهيوني على غزة، ديسمبر 2008 يناير 2009، وحينها كانت بمثابة محرقة صغرى، مقابل ما وقع من جريمة إبادة تاريخية منذ أكتوبر 2023 حتى وقف العدوان الذي لا يزال هشاً في يناير الماضي، لم يكتمل نصاب القمة في حينها، لرفض عربي لها من بعض الدول، ولموقف جامعة الدول العربية الذي اعتبر مناهضاً لغزة حينها، والذي اتحد معه حينها موقف السلطة الفلسطينية في رام الله.بدأ عندها استثمار تل ابيب والمركز الغربي وحلفائه العرب للانفصال الفلسطيني عسكرياً، لكن كانت موازين الحرب، وواقع المنطقة لا يسمح لتل ابيب بتوسع مركزي، وإن كانت فكرة الإبادة حاضرةٌ دوماً في العقل الصهيوني، وفي المركزية الغربية، منذ وعد بلفور حتى اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بتشريع الإبادة وتبني التهجير. وهاتان الثنائيتان لهما ركيزة تاريخية في الرؤية الغربية الرأسمالية عن العالم الآخر، وبالخصوص فلسطين المحتلة، لكونها قاعدة الشراكة المهمة في استنساخ الإبادة الغربية، وفي تأميم أرض الإنسان الآخر والمسلم بالذات، وهي الحجة التي تبنتها القيادات الصهيونية في دعم التحالف الأساسي بين العالم الغربي وبين الدولة الصهيونية المحتلة.والتي وُثقت ادلتها بالعشرات، وخاصة في جهود عبد الوهاب المسيري، وإدوارد سعيد ووائل حلاق، وغيرهم من مفكرين عرب وأجانب، فهذا التصدير لدورات التحضير للإبادة والتهجير، يعود التبشير بها، كلما وجد المشروع الصهيوني، والمركز الغربي مساحة لإعلانه. ولستُ أرى خلافاَ جوهرياً بين مرحلة ترمب، ومرحلة أوسلو والعهدة الأمريكية فيها، وقد يستغرب البعض ذالك، غير أن استراتيجية التعاطي الأصلية من المركز الغربي، منذ مؤتمر مدريد وبالخصوص الرعاية الأمريكية له، وطّنت لهذا المآل الذي استشرفه إدوارد سعيد، في كتاب القلم والسيف، وهو مجموعة حوارات ركزّت على تفكيك اتفاقيات أوسلو، واعلن فيها سعيد لأول مرة اموراً عايشها في مسيرة الاتفاق، وعرض بتفصيلات مهمة وموثقة، حجم البؤر الكارثية التي يقود لها اتفاق أوسلو، وقال بالحرف انه مشروع لتحويل غزة الى أكبر سجن محاصر في العالم. هذا الربط المنتظم والاستشراف للمستقبل المروّع، كان في عام 1994، ونحن نشهد ما توقعه سعيد منذ ذالك التاريخ في أسوء نموذج لتوظيف أوسلو 2023- 2024 م، إن المفصل الذي عنيته في هذا المسار، هو أن قرار عزل غزة تمت مَنهَجَتُهُ مبكراً، بشراكة عربية عميقة، وإذ ذاك لم تستقل حماس بإدارة غزة، بعد مواجهتها للخطة الأمنية لحركة فتح، وتحديداً مع قائد الأمن الوقائي محمد دحلان، ولم تولد بعد في جسمها الأخير. ولا يزال الشيخ احمد ياسين حينها، في طور التأهيل الأخير لمشروعه الخاص بفكر المقاومة وعَزَله عن أي استقطاب لساحات أخرى عربية واقليمية، ومع ذالك رأى سعيد أن مُحصّلة أوسلو هو خنق غزة.استطرد سعيد في المسار الفلسطيني عبر منظمة التحرير، وخاصة قرارات القائد ياسر عرفات وما دلل له سعيد، من استدراج منتظم استفرد فيه فريق غير مؤهل قانونياً، ولا سياسياً، للمضي في توقيع الاتفاق، ورسم خطط المراحل التي قادها رجال أعمال من فتح، مقربين من أبو عمّار، أسقطت الحد الأدنى من الحذر والحماية السياسية، لما اعتُبر الأساس اليتيم لمشروع الدولتين، والذي روج له العراب الأوربي ورعاه السيد الامريكية نفسه.يستطرد سعيد في أجوبة مباشرة مع صديقه الخاص وشريكه في الكتاب، الصحفي الأمريكي اليساري المخضرم ديفيد بارسميان، في عرض الأحداث التاريخية التي سببت له الكثير من الخيبات المرّة، وكيف كانت دورات التلاعب تَختطف الفريق الفلسطيني مراراً دون أي صوت للمراجعة، وكانت حينها المنظمة في مأزق ما بعد تورطها في قضية غزو الكويت، وبعد حصيلة من الحصارات العربية الممنهجة.غير أن سعيد يُفرد أبو عمار بكتلة واسعة من المسؤولية، بما فيها اخطاؤه في عدة مراحل ومنها رحلة لبنان، ثم تصريحه للإعلام العالمي: حين سئُل كيف ستؤسس لدولة وأنت رجل مقاومة لا خبرة لك بإدارة الدول؟كان حينها الجواب كارثي، وكانت هذه الفوضى جزءً مهماً من محبطات سعيد وآلامه الفلسطينية، كان سعيد حينها يعيش مرحلة العلاج من سرطان اللوكيميا، وكان قد زار غزة ورأى بعينيه آثار الحصار، وآفاق المستقبل الدولي في المؤامرة، والذي كان بدعم عربي بكل تأكيد، كان جواب عرفات على السؤال: هو انه (أبو عمار) كان يسيطر على بيروت لعشر سنوات، ويديرها إدارة دولة، هذا الجواب الذي صدم سعيد كانت له جذورٌ أخرى.