الأسرة المسلمة في الغرب والحصار الجديد

مهنا الحبيل

هناك مشترك عبرَ بي في زيارة أوروبا الأخيرة، وتحديداً بين فرانكفورت وباريس، ربما من الثوابت المستمرة بين عينيك والمثيرة للسخرية حين تستحضر تصعيد اليمين الغربي ببعده القومي والمسيحي على المهاجرين، أنك تتساءل لو رحل هؤلاء كيف ستعمل أوروبا!

هل قلتُ كيف ستعمل؟ نعم، بكل وضوح كيف تشتغل قوة أوروبا وطاقتها التجارية والصناعية والتعليمية، والتكنلوجية والطبية! لو رحل المهاجرون الى أوطانهم، أو حتى ضُيّق عليهم عبر القرارات التي يطرحها اليمين المتطرف، وأضحى خطاب العديد من قوى اليسار اليوم، الى الناس بأجندات عنصرية، تُزايد في مشاعر الكراهية والتذمر من المهاجرين، لكسب أصوات الناخبين، ويبدو الأمر هنا كتلة من المواسم المنافقة، التي تستقي قوتها باسم الولاء لعرق الغربي الأبيض القديم، وحضارة الحداثة الغربية، لكنه لا يقوم على برنامج انقاذ تنموي واضح، لصالح شعوب هذه الدول ذاتها، وخاصة الطبقات التي سحقها عالم الحداثة والتوحش الرأسمالي.

فما الذي يستبقه خطاب الصخب العنصري الغربي؟

خلال قوة المعسكر الشيوعي، كانت هناك في منصة الأمم المتحدة، وموسمها السنوي، خطابات ذات طبيعة شعبوية عاصفة، بعضها يتكئ على قضايا ذات مصداقية، وبعضها يزايد على الغرب، وهو يبرر أو يُغطي جرائم الإبادة، التي يرتكبها نظامه الموالي لموسكو، أو الإبادات التي ترتكبها القوة الحمراء في آسيا الوسطى وغيرها، وكانت تعبر في إطارها الأيدلوجي الخاص.

لكنها لم تكن بهذه الوقاحة والإساءة والاتهامات الواسعة، فضلاً عن النرجسية التي دوّى فيها خطاب الرئيس الأمريكي، وأين؟في مقر المنظمة الدولية التي تمثل دول العالم، رغم أن الأمم المتحدة ظلت كسيحة، أمام البيت الأبيض والقوى المركزية في مجلس الأمن الدولي، الذي تقوم مشروعيته على ظلم الأمم الأخرى وتحييد قدراتهم، لكن خطاب رؤساء البيت الأبيض السابقين، كان يراعي شخصية ما يسمى بشرطي العالم، أو قبة نظامه الدولي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

أما اليوم فهجوم ترمب كان متعدداً وصاخباً ووقحاً حتى ضد الأممية الدولية، وبالذات ماله علاقته بالمسلمين، ومثالاً على ذالك مهاجمته لعمدة لندن، المثير للاستغراب، فضلاً عن قوانينه المتطرفة، التي يوجه جزء منها الى مجتمعات إسلامية أو مهاجرين، أو مواطنين أمريكيين، صاروا ممثلين للشعب الأمريكي، حسب النظام الانتخابي الذي جاء به دونالد ترمب

لكن ما علاقة هذا بموضوعنا فيما يتعلق بأجيال المسلمين، ومستقبل تعليمهم.

أصبحنا حين نتردد على المساجد سواءً في أوروبا، أو حتى كندا التي نتمنى أن تنجو من حركة التطرف اليميني، نجد صعوبة كزائرين للمدن الأخرى، في دخول المسجد بعد انقضاء الصلاة، وأحياناً خلالها، حيث يقفل باب المصليات برقم سري يُعطى لجماعة كل مسجد، وفي حين كان العُرف أن بيوت الله تبقى مفتوحة، وخاصة في الغرب، لصعوبة وجود مكان للوضوء والصلاة، فالوضع قد تغير اليوم.

هناك مخاوف متجددة من أعمال العنف التي تعود مواسمها ضد المسلمين، وخاصة أن التحريض السياسي والديني، يظل يطارد المسلمين في دورات متتابعة، ومستوى الكذب عليهم واسع ومنصاته كثيرة، ولم يعد يشعر الإنسان، بأن البنود القانونية الحقوقية، تُقيّد المتطرفين من أعضاء البرلمانات الأوربية أو الكونجرس، وهي تزيد حجم التضليل والكراهية ضد كل ذات مسلمة. فالقضية هنا، هي أرضية للعنف المسلح، ينفذها العنف الفكري، وهذا السباق بين ترمب وقيادات اليمين المتطرف في الدول الغربية، يتناوب في خلق سماء سوداء موحشة، ولسنا نقول أن المَنظومَات الحقوقية قد عُطّلت بالجملة، ولم يفقد المسلمين كل انصار الحقوق والتعايش في أوطانهم الجديدة، وهناك أزمات وفراغ فكري وأخلاقي في بعض مجتمعات المسلمين في الغرب، واخلال من البعض بالنظام الحقوقي، فالمسلمين أمة واسعة وجغرافيا ضخمة، فيهم الصالح والفاسد. لكن هذا الاستهداف ممنهج ومتعمد، وهو يواجه سياسة ثنائية تربط أول المقال بآخره، وهو أن وجود المهاجرين والمواطنين من اصل الهجرات السابقة، هو في الحقيقة ضرورة في الغرب، فتناقص التناسل وغياب قيم الفطرة، والحرب عليها، وتأثر الإنسان الغربي نفسه بمشروع التسليع للذات البشرية، ينهك المجتمع، ويُقلّص فرص الاستقرار الاجتماعي للأسرة الفطرية، وبالتالي يقل الشباب وتنقص الأيدي الماهرة والتخصصات المتقنة، والأطباء ذوي الكفاءة، ويعوّض هذا النقص عبر هذه الأجيال من المواطنين الجدد. لكن مأزق الغرب الحكومي أخلاقي وليس سياسي فقط، فهو لا يريد أن تثمر هذه الأُسر في النظام الاجتماعي، فتخدم الوطن الجديد، عبر هذه الدفع المتوالية من أبنائها وبناتها، وتُصّر على مطاردة حقوقهم الفكرية، وتجعلهم تحت حصار دائم في أجيالهم.وهذه العملية ليست عفوية، ولكنها ممهنجة، في سبيل خطف الأطفال ثقافياً، رغم أنها لا تمثل سياسة احتواء ناجحة لذات الدولة الغربية، وتصنع اكراهات متعددة، من أخطرها قضية حصار المدارس الإسلامية مؤخراً.