القصف الاسرائيلي في المعادلة الايرانية

مهنا الحبيل

2013

رغم كل التصريحات الإعلامية والبيانات السياسية التي تناولت القصف الإسرائيلي لمواقع تخزين محددة لسلاح النظام السوري، إلا أنّها لم تقف عند وضع هذا القصف في خريطة المشهد الإقليمي وتحديداً الدور الإيراني فيه من الداخل السوري والذي ينتهي اليوم الى مشاركة شاملة في معارك النظام ضد الثورة وخاصةً في مذابح القصير التي أعلن الإيرانيون رسميا تواجدهم فيها وأضحى موقف حزبهم في لبنان يتحدث عنها علناً ويحتفي بقتلاه فيها ويُغطي إعلامياً بصورة لم تُسبق، تزامنت مع نشوة في الموقف الإيراني الذي بات يُراهن على سقوط القصير واختراقه الموقف المصري في حين انكفأت دول الخليج الداعمة للثورة السورية عن الإقدام على ما تحتاجه الثورة عملياً لإنجاز الحسم الذي كان سيكفل تأسيس الدولة الجديدة ببعدها السياسي والتكافلي والتكاملي الذي يضمن عهدا سوريا جديدا يُحاسب مجرمي الحرب ويحاكم قادة العهد السابق ويؤسس لشراكة وطنية بين الغالبية والأقلية, وبالتالي ميلاد وطني لسوريا جديدة وهو الهدف الذي تقاطع على صدّه وبعثرت الطريق أمامه كلا المحورين الغربي الإسرائيلي والإيراني، حيث إن ميلاد الدولة الجديدة يعني بالضرورة قيام سوريا حرة في قرارها وفي تأسيسها الشعبي الداخلي، الذي بالضرورة أيضاً سيخلق بيدر ممانعة حقيقيا في سوريا الكبرى أمام النفوذ الإسرائيلي .

وما نعنيه تحديداً هنا أن الموقف الإسرائيلي يُدرك بالمطلق أن قيام سوريا الحرة خطر على وجوده الكياني حتى ولو لم تبادر الدولة الجديدة لمعركة تحرير الجولان بعد إعادة تشكيل الجيش السوري أو إطلاق عمليات مقاومة نوعية من الجولان، ولكن يكفي إعادة رسم خريطة المقاومة العربية في المنطقة باستراتيجية عميقة الجذور بعد سوريا الجديدة تتحد في إطارها الإسلامي العام بين فلسطين ولبنان العربي لا الإيراني وبين عمقهم التاريخي في الداخل السوري .

وحتى تتضح الصورة بجلاء نقول : إن أي نزاع موسمي أو صراع إقليمي بين قواعد لعبة تنخفض فيها الحرب وتستعر في لبنان كانت تخضع لبرنامج احتواء شامل يقف بها عند محطات توافق ايرانية غربية اسرائيلية, فيما المعركة المركزية أو المقاومة المطلقة عبر المبادئ الاستراتيجية العربية الإسلامية التي تخشى تل أبيب منها لو قامت سوريا الجديدة ببعدها المستقل وثمرة ثورتها العسكرية تعني تهديداً وجودياً لا حدودياً، وعليه فإن بقاء إدارة اللعبة مع الايرانيين عبر صراع منظم أو توافق سياسي في رفض تحرير سوريا من النظام سيبقى خيار تل أبيب مالم تعتقد أن قواعد اللعبة مع طهران قد انتقضت, أو أنّ هذه التوافقات والتقاطعات تحتاج تدخلا منها يضمن استثمار مساحة الاحتياج الايراني للغطاء الإسرائيلي لتصفية الثورة أو اقامة الجيب العلوي، فتتدخل تل أبيب بمقدار ما تقرره لزيادة حصة التغيير لقوة إيران كمنافس ثانوي أمام المشروع المعادي وهو تحرير سوريا أو لأجل تقدير خاص بالإسرائيليين ومخاوف من أن ضمان نجاح المشروع الإيراني في سوريا بجيب علوي أو إطباق كامل غير مضمون نهائيا في ظل قوة الثورة, وأن بعض هذه المخازن والأسلحة من المرجح أن تسقط في أي لحظة في حركة انشقاق من قوات النظام تتحوّل فيه الى قوات الثورة وبالتالي سيكون هذا المخزون في مقابل حدود الجولان الفاعلة أو المتوترة وليس الساكنة لأربعين عاما، كما كانت لدى الأسد، وهنا يتبين لنا مغزى القصف الإسرائيلي للمخازن دون التدخل أو تحريك أي اضطراب في ساحة الحرب الرئيسية التي يشنّها النظام على الثورة، والاكتفاء بهذه الوجبات التي لو دققنا في موقف الصديق الكبير للأسد وإيران وهو موسكو وتحذيره العنيف المتجدد لأي دعم للثوار لم يكن يصدر منه في هذا القصف أكثر من القلق وإدانة سياسية عابرة وهو ما يعني أن هذا القصف ضمن حدود توافقات أو مساحة تدخل نسبي لحسابات المستقبل، لا يؤثر أبداً على مباركة تل أبيب لمذابح الأسد والحرب الإيرانية لصد الثورة .

وستبرز لنا ملاحظات مهمة في هذا السياق:

1 – حركة الحرب الإيرانية الأخيرة على الثورة عبر الفصيل اللبناني ترتب عليها نقل معدات ضخمة وقصف واسلحة ثقيلة الى جبهة القصير، لم تتعرض على الاطلاق لأي قصف من تل ابيب رغم رصد الطيران الإسرائيلي لمجموعات الحزب التي شاركت في مذابح القصير .

2 – لم يتحرك الحزب على الاطلاق في الجنوب اللبناني ولم يحرك أي قطعة للرد على إسرائيل وإن كان هذا واردا للمناورة الاعلامية، لكن مع ذلك ركّز على حربه على الشعب السوري في القصير وصمتت مدافعه عن الرد على إسرائيل .

3 – القصف الذي تعرضت له تل أبيب لأول مرة من الجولان كان من مواقع وصل اليها الجيش الحر، ورغم أن ذلك لم يكن في سياق معركة ولكن مبادرة من جنود لكن قلق تل ابيب وتعليق نتانياهو عليه كان مؤشرا للترقب الابتدائي للمصير الحدودي في الجولان، في حين انتهى النظام بعد حفلة اعلامية عن تدمير مخازن السلاح إلا أن الرد قد اتخذ بالسماح للمنظمات الفلسطينية بمهاجمة حدود الكيان، أما جيشه فمستمر في حربه على الشعب السوري، فكيف وأين ؟ وما غطاء هذه المنظمات؟ وهل هي التي استخدمها في مخيم اليرموك ضد المدنيين الفلسطينيين والسوريين وقرر تصفيتهم؟.. أسئلة مهمة لمعرفة دوافع النظام .

4 – كل هذه التحركات العسكرية بما فيها قصف النظام الدوري المتصل وعبور الآلاف من قوات نخبة حزب ايران في لبنان للداخل السوري، لا يُمكن ان تتم دون رسائل وتطمينات وتأكيدات تنقلها موسكو أو أطراف مخابراتية بين تل أبيب والنظام، وهو ما يُفسر عدم تعرض كل هذه الطلعات أو التحركات لقصف واحد، في حين وجبة قصف اسرائيلي واحدة عند ريف دمشق الجنوبي في خطوط التماس أو في حلب أو في حمص كانت تعني تأثيراً لمصلحة الثوار، ولكن لم تُطلق تل أبيب طلقة واحدة واستمرت في تلقي رسائل القصف وضمان تمريرها بما فيها قصف المدن السورية من طيران النظام عبر حدود لبنان .

كل هذه الأدلة تعكس ما شرحناه في معادلة إسرائيل إيران التي خصمها المشترك حرية الشعب السوري وما غير ذلك من حسابات تخضع لتقييم مصالحهما التي تنطلق من امن اسرائيل وأمن ايران ولا بأس بعد ذلك من حروب اعلام لم توقف المدية عن ذبح 90000 سوري معظمهم اطفال ونساء ومحاصرة تل ابيب وطهران لأي سلاح لحمايتهم، هنا تبرز لنا لعبة معادلتهم .