أدب جبران ورسائله، كانت بداية الانطلاق للنشاط العربي الكندي،الموصوف بعدم الرسمية في الطرح وأريحية التناول بين جمهوره ومؤسسيه، تلت الاولى السياسة ومساراتها، ثم كلمة التاريخ الاجتماعي وأثره، والختام مع التيارات الفكرية..
عن الموسم الأول لمقهى المهجر الكندي اسلفت حديثي، وهو العائد بقوة في أولى جلسات الموسم الثاني بالحديث عن موضوع يمثل لُب هموم المهاجر المسلم والعربي في زمنٍ تجاوزت الهجرة فيه الاختيار إلى الاضطرار في ظل تداعيات الوطن العربي؛ فالأسرة وتحديات الحياة الجديدة في مجتمع تختلف فلسفة نشأته وتكوينه، بحث يحتاج لتأسيس توعوي وبناء استراتيجي للتحديات، ثم تدارك انقاذي للإشكالات.

مساء السبت17/أغسطس/2019 في ميسيساغا اجتمع بعض من لامسه عنوان المقهى ليشهد الباحث القدير د. محمد عوض باعبيد ” مؤسس ومدير مركز المسلم للدعم الاجتماعي والاندماج في لندن أونتاريو”
الذي يساعد برعاية الحكومة الكندية، الأسر حديثة الهجرة على الاندماج بتأسيسه برامج جديدة.
كما يتعاون مع هيئة حماية الأطفال الكندية على حماية الهوية للطفل المسلم، الذي قد يتعرض للإبعاد بدعوى الحفاظ على أمنه وسلامته، وذلك من خلال برامج تعمل ضد العنف الأُسَري.

تناول د.باعبيد موضوع “القيم الاجتماعية للاسرة بين الفكر الإسلامي والدستور الكندي..مقاربة واقعية”
من زاويتين:
/جانب تجريدي نظري
/جانب واقعي عملي
في محاولة منه لتقريب المفاهيم النظرية من عمومها وإنزالها لملامسة الواقع المُعاش للأسرة وبالتالي تشخيصها والعمل على إيجاد حلول وتأسيس استراتيجي لرؤية مستقبلية مفيدة كاستعداد مبدئي متوازن للتحديات المتوقعة.

يرى د. باعبيد ان طرح التحديات وتناولها بالبحث والمناقشة، مدخل أفضل لهذه المقاربة؛ فالتحديات تعني ضمنا المقدرة على مواجهتها والتغلب عليها، ليس من جانب تقييم منظوريّ الخطا والصواب، وإنما عبر دراسة الإشكالات من خلال الواقع.

يرى د. باعبيد أن الوعي بالاختلاف الفلسفي للاسرة والمجتمع العربي/المسلم، ذو الطبيعة الجمعية “وفيها يتم تعريف الشخص من خلال دوره في المجتمع”
والاسرة والمجتمع الكندي ذو الطبيعة الفردانية” القائم على الحق الشخصي المستقل”؛
تحريرا وتحليلا لهذه الأبعاد المفاهيمية يوفر الكثير من الجهد لاستيعاب التحديات وتحديد المسؤولية القيمية والسلوك الأخلاقي؛ فهذه الخلفية تشكّل المعايير في فهم الصواب والخطأ.

ضاربا أمثلة لمفاهيم من خلال هذا الوعي الاختلافي:
الحماية:
يقول ان مفهوم الحماية في المجتمع الجمعي مبني على حماية الهوية الجمعية وعبرها تأتي حماية أدوار مكونات المجتمع، فمثلا الانحراف السلوكي للأبناء لايقف عندهم وإنما يشكّل ضغط على الوالدين من بقية المجتمع، مما يترك اثره في ردة الفعل.

أما الحماية في المجتمع الفرداني فتقوم على حماية الاستقلال والحريّة الشخصية، ولذا نجد ان قانون ودستور ومؤسسات المجتمع تعمل على حماية الفرد.
عند هذا الاختلاف البنيوي تتولد الكثير من التحديات وبعدم الجاهزية لها تتحول إلى إشكالات.
الاندماج:
في تعريفه للاندماج يرى د. باعبيد أنه ليس ذوبانا في المجتمع الجديد، بل حالة تكاملية معقدة ومركبة مع الجزء المتشكل حديثا من الشخصية، وايضاً بالنظر له من خلال الطبيعة الفلسفية للمجتمعين نلاحظ:
الجمعي
الاندماج عملية صعبة تولد صراع غالبا بين أجيال الآباء والأبناء من خلال ثنائية القيم الموجودة.
اما المجتمع الفرداني فالاندماج عنده هو تبني كامل المنظومة القيمية للمجتمع الجديد حتى تصبح فردا فيه.

ثم يحاول د.باعبيد النزول بالحضور الى ارض الواقع وبسط مشاهده، للخروج من سطحية التناول العام ومحاولة إيجاد مقاربة عقلانية حتى تستقيم الحياة،
فيقول:
بالاجابة على سؤال أين نلتقي وأين نختلف كمسلمين مع منظومة القيم الكندية، نصل لنقطة مجملة تجعلنا نبدأ في وضع تصور لمعالجات آنية والأهم وضع خطط للمستقبل، فالناظر للحقوق الدستورالكندية، خاصة من ناحية حقوق الإنسان والحفاظ على الهوية الثقافية وممارسة الشعائر الدينية، يجد هناك مساحة كافية، إذا أُحسن استثمارها أفرزت توافقا يسمح بالتعايش والبناء على المشتركات، بوعي إدارة تعدد الهويات واحترام القانون،واختيار إمكانية التموضع المناسب كعضو فاعل ومؤثر في المجتمع الجديد.
اما نقطة الاختلاف الوحيدة التي يراها،هي حدود القانون. لذا يرى انها الحد الفاصل لمرونة أي مفهوم.

من جانب آخر وكون ان د. باعبيد باحث ميداني استعرض للحضور بعض الإشكالات الحاضرة والتي تعكس الصدام الناتج من عدم الوعي بما ذُكر سابقا، فطريقة إدارة المسلمين لمفاهيمهم الخاصة حتى يواجهوا هذه التحديات، تشوبها إشكالية عدم تصدّر الخيار الأفضل لترجمة هذه المفاهيم عمليا؛
فمثلا يتم التركيز على بناء المساجد، والمدارس والمراكز الإسلامية،للحفاظ على الهوية مع اغفال تأسيس وبناء الإنسان والحرص على التعاطي مع مشكلاته اليومية.


لا يُفهم من كلام د. باعبيد عدم أهمية الهوية أو المؤسسات، إنما يلفت النظر للأهمية الأكبر من ضرورة التخصصية لسد الحلقة المفقودة، ضمن هذه المساحة المتاحة وعدم تضييعها بتكرار المفاهيم العمومية وخلق الصورة العامة،والتركيز بدلًا عن ذلك على التعامل مع هذه التحديات بالصفة الطبيعية البشرية دون مثالية ذائفة، وإعطاء الاستقلالية الفردية حقها دون طغيان الصورة الجمعية، فالفلسفة الإسلامية تمتاز بالتوازن بين المفهوم الفردي والجمعي.


د.باعبيد يرى بتفعيل هذا التوازن يتم احتواء الفرد المسلم وبالتالي الأسرة، ويكون الحفاظ على الهوية أكثر؛ فحلول التحديات عندما تأتي من الداخل تُحصّن ضد البحث خارج منظومة الهوية لإيجاد المخارج.


ومن هنا ينطلق عملهم في تطويع برامج المجتمع الموجودة واستخدامها لخدمة برامج نابعة من داخل الهوية الثقافية وذلك تماشيا مع النظام القانوني وعدم مصادمته.
خاتمًا د.باعبيد بتوجيه رسالة تهيب بالجهات والمؤسسات ضرورة التوجه لبحث هذه التحديات بصورة أكثر عمقا من طبيعة التداول الموجود.

كما جرت العادة كان الأدب حاضرا للترويح النفسي، مع فقرة شعرية من إلقاء أ.حمزة المجيدي
الذي قام أيضًا بإدارة اللقاء وتلقي مداخلات الحضور.

مداخلة أ. مهنا الحبيل بعد شكره د.باعبيد، جاءت في ذات السياق المتناول من ضرورة وعي تفعيل دور المؤسسات الإسلامية في التركيز على الإنسان وتعزيز النشأة القيمية الإسلامية للفرد، سلوكيا وحتى يقوم بدوره المُناط به إسهاما في مسيرة الحياة الإنسانية.
لافتا أيضًا الى حجم الخسائر من اغفال دور الأداة الفكرية، والاكتفاء بالمؤسسة الفقهية، التي لها دور مهم وحيوي، لكن لايمكنها تغطية بعض الجوانب التخصصية.

‏وكيف يمكن للمسلم الكندي تفعيل مشاركته كمواطن والاحتفاظ بهويته في آنٍ واحد بوعي الفكر المدني في فقه الشريعة الإسلامية، والاستفادة من المساحة القانونية للفرد في الدستور الكندي.

تفاعل الحضور بين مداخلات واستفسارات طبع الجو العام بروح مشاركة وحيوية، ووعد باللقاء مع موضوع آخر منتصف شهر سبتمبر بعون الله.

الخنساء