مهنا الحبيل
2/2/2022
تزامنت مرحلة إسقاط الربيع العربي مع جسور تفاهم كالمعتاد بين الأنظمة الرسمية العربية والمركز الغربي المهيمن، ومن ثم تم التسامح مع حركة الضغط للإلحاد الجندري في البداية، وهذا قائم في مساحة منه حتى اليوم في بعض الحالات، مع استبدال مطالب الربيع العربي بحريات سلوكية يمارسها المجتمع المحدود في الشرق تتفق مع العقيدة الاجتماعية للغرب، فهي حالة لا تُهدد الأنظمة، فلقد كانت ضمن مساحة الخلاف المسموح به مع القوة الغربية الضاغطة.
لكن بعد فترة احتقن الشارع العربي، وبدأ النظام الرسمي يوازن بين استكراه الناس على المشروع الغربي وظله الداخلي في الوطن، بعد ضغط بعض معارضة المهجر المتواطئة مع المركز الغربي، وبين تأثير ذلك على استقرار حكمه.
ففُتح الباب للتعبير عن الهجوم على حركة اقتلاع الأسرة، فانطلقت الموجة الأخيرة التي يرتد صداها شعبياً، لكنها موجة لا تقوم على تأسيس فكري وثقافة مجتمعية راسخة، وأدوات رد على مشروع التجريف الغربي للأسرة الفطرية.
والتي لها معارضة اليوم في روسيا، وفي دول أخرى، ومن بينها دول أوروبية، غير أن عودة الصوت الجندري أقرب؛ لقوة أدوات السياسة والحداثة الرأسمالية الداعمة لها.
ومع فقدان التأسيس المؤهل لخطاب ومؤسسات الاحتواء للشباب العربي، وتفهّم أسئلته لمعالجة اضطرابه فكراً أو سلوكاً، فإن هذه الموجة قد لا تثبت أمام القوة الغربية التي ذكرناها، وهذا يعني أننا قد نعيش جولة غضب، تعود بعده أدوات الضغط الغربي على الأسرة المسلمة، وهي اليوم قائمة في الغرب لم تنقطع، ولكن صدى ضغوطها والبرنامج الخاص بفرض الرؤية الغربية مؤثر على الشرق المسلم ويواصل هجومه.
إن من أهم عوامل الضعف في مواجهة حملة التجريف للأسرة الفطرية، التي تشمل الإنسانية وليس الأسرة المسلمة فقط، هو وضع كل أسئلة وحالات الاضطراب أو الغضب من واقع المرأة والطفولة في المجتمع المسلم في سلة واحدة، دون فرز لما هو كارثة حقيقية يواجهها الضحايا، ولا تزال تعسف بهم وبدمائهم تواطؤات عدة؛ منها طقوس الجاهلية الاجتماعية المخالفة لمقاصد وتشريعات الإسلام، والتي تغطي جرائم قتل ضد النساء، أو عنف، أو تعدٍّ على حقوق أساسية، دون ردة فعل متوازنة فاعلة في المجتمع وفي الخطاب الإسلامي.
وعليه فإن مساحة كبيرة مثلاً من مطالب الحماية والحقوق للمرأة المضطهدة التي تتبناها ناشطات نسويات هي ضمن هذا الحق الضروري، الذي يصل إلى درجة الفريضة الشرعية والواجب الوطني الاجتماعي؛ لحماية المضطهدين من مظالم الظواهر الاجتماعية الجاهلية، وخاصة حين تغيب أو تضعف سلطات الدول وأدواتها الأمنية ومؤسساتها الاجتماعية عن القيام بواجب الحماية.
وهنا لا يمكن أن يُدان موقف الحركة النسوية المتبنيّة لهذه الملفات، والتي تقف عند حدود رعاية الأسرة وحماية الضعفاء فيها، وصناعة أجواء دعم نفسي واجتماعي للمظلومين، وحث المنظومة القانونية والقضائية على متابعة هذه الحالات وسن التشريعات المؤمّنة لهم ولأطفالهم، وهي في الأصل حق إسلامي ملزم، حين يوضع تقدير الخلل والضرر في حسابه الصحيح.
أما القسم الثاني فهو عملية استنساخ وصدى صوتي لحملة الغرب ومشروعه المعلن لتفتيت الأسرة وتحويل الذات الإنسانية إلى جندر، أي جسم عدمي، لا علاقة له بالروح ولا بالأرحام، ولا بمفهوم الأسرة ذاتها، فهذه الأصوات التي تضج في الغرب أو في الداخل من المتراجعين عن الإسلام تستغل حالة البؤس الذي تعيشه المضطهدات حقوقياً.
لتحفيز المجتمع على رفض الأسرة ذاتها، والإيمان بأن تحطيمها أولوية للمرأة؛ باسم التحرر الأكبر الذي يقوم على عقيدة العداء المطلق بين الرجل والمرأة، ثم تغيير هوياتهم الجنسانية، ودوماً الطريق الأقرب هو تسليع الإلحاد.
وفي الحقيقة أثر البلاء الذي يصب على المجتمع من هذه الثقافة العدائية للروح الإنسانية لم يعالج الخلل ولا التطرف الجاهلي، وإنما أشعل حرائق في داخل المجتمع، ولا غرابة في ذلك؛ لكون المرجع لا علاقة له بالمركز الأخلاقي، ولكن بالمصير العدمي للإنسان، واستبدال الفطرة بالنزوة المريضة، لكن ذلك كله لا يبرر جريمة توظيف الدين لخدمة الجاهلية الاجتماعية وبأسها على المرأة، هنا أيضاً مفاهيم ردّة عن الإسلام لكن بمعنى آخر، يزعم أنهُ يوقّع دفاتر ظُلمِهُ نيابة عن الرحمن الرحيم.
1 Comment
Comments are closed.