التحدي الفكري لمونديال قطر

مهنا الحبيل

31/5/2022

ردَّ أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، على السؤال الموجه له من الصحافة الغربية بشأن ترويج المثلية، في أروقة المونديال وفي الجغرافية الوطنية لدولة قطر، والتي ستحتضن كأس العالم في نوفمبر القادم، بعبارة مختصرة (الجميع مرحب به لكن نتوقع ونُريد أن يحترم الناس ثقافتنا) والعبارة تحمل مسارين مهمين للتعامل مع هذه الظاهرة، التي تحتاج قضية الترويج لها والموقف منها لشرح تفصيلي، بالغ الحساسية والخطورة، وتحتاج بالضرورة لوضع بنية تعامل حاسمة في مبادئها، مرنة وقوية في لغة التعبير خلال الفترة التي تسبق المونديال وأثناء فعالياته.

إذ أن أي ضعف في قوة الموقف وانضباط التعاطي، قد يكون له تأثيرات سلبية على الدولة والمجتمع القطري، ثم التمثيل الذي أعلنه الأمير بأن قطر تمثل وطنها العربي الكبير، وحاضر العالم المسلم وواجهة الشرق الواسع، وأول المبادئ الأساسية هو الإسلام في رسالته الفكرية والأخلاقية والقيمية، وهو بذاته أي ذات الإسلام محل هجوم ممنهج من القوة الرأسمالية الغربية، وأدواتها السلوكية والنمطية التي تخدم أسواقها، وتفرض ثقافتها على العالم الآخر.

ونوضح هنا عناصر الموضوع:

1- إن عبارة نرحب بالجميع هي المضمون القانوني الجمعي، الذي تتعاطى معه الدول، فهي لا تُفتش في المناسبات العالمية ولا غيرها، عن توجهات الأشخاص ونمط سلوكهم (وجنسانياتهم) الخاصة، فحضور ميادين الرياضة ليس ساحات أو أقبية لممارسة السلوكيات الشخصية الخاصة، هذا ألف باء المبادئ الجمعية، وبالتالي فهنا الحضور متاح بصورة طبيعية، لكنها تقتضي بالضرورة عدم استثمار المناسبة لقهر الثقافات الأخرى، وهي هنا لا تخص أهل قطر فقط بل كل محيطها العربي والمسلم.

2- الأمر الآخر هو حجم التضليل الذي يُستخدم في قضية المثلية، والذي لا بد أن نعيد شرحه، فالحديث هنا ليس عن طباع أولئك الأشخاص، ولا مواجهتهم بخطاب تحريض مباشر خلال الفعاليات، ولا التعدي عليهم، وإنما كل الحملة تقوم على فرض المفهوم على الأسرة الفطرية في العالم، والضغط على عالم الجنوب وقهره، في أسرته ومحيطه ومجتمعه الذي يمثل الغالبية الساحقة من القرية الكونية.

3- وفي بطولة سابقة للاتحاد الأوربي ذاته، رفض الاتحاد إلزام الدولة المضيفة بالترويج للمثلية القهرية، هذا في حدود الصراع الأوربي الداخلي، وقال أن مبادئ الإتحاد لا تُقر الإلزام برؤى دينية أو سياسية خاصة، فما بالك بالتعامل مع عالم الشرق وخاصة المسلم، فموقف الاتحاد الأوربي تغير أو لم يتغير، لا يمثل سقفاً عند المسلمين ودولهم في حق أساسي، وهو رفض التحريض على قيمهم.

4- أمرٌ آخر وهو أن هذه الموجات العاتية، التي تروج لها سفارات الدول الغربية، ومراكزها السياسية الكبرى، والمؤسسات الدولية الموظفة لصالح الغرب، لا علاقة لها بمفهوم التعامل الشخصي مع حالات المثلية، سواءً كانت ضمن التغيرات الهرمونية أو الطبائع ومراعات هذه الحالات، أو نظريات الطب والصحة حولها، والذي تعامل معها العالم بمعادلة علمية قديماً وحديثاً، وكانت تبرز في أحوال مختلفة عند بعض الأمم والمجتمعات، ولم يخلو عالم المسلمين منها، والذي تزامن مع عهود انحطاط في الأمة اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً.

وما نعنيه هنا أن الأمر ليس تعاملاً مع أفراد أو مجموعات، ضمن سياق الأقليات، كلا..

وإنما هو ثقافة قوة متطرفة يفرضها الغرب، ويستخدم لترويجها أدوات التوحش الرأسمالي في السوشل ميديا وغيرها، ويفرضها على كل العالم الآخر المختلف عنه، ويستخدم لغة احتقار ضد من يخالف قيمه، دون أدنى درجات الاحترام للتعدد الثقافي.

5- لاحظ هنا كيف يُسقط الغرب أقل درجات التعاطي الحضاري، باحترام الثقافات التي تخالفه، ويرفض مجرد أن توضع أمامه على الطاولة وتناقشه بمرجعية أخلاقية إنسانية للجميع.

ولذلك وجب طرح السؤال المعاكس: وهو من قال أن الجسور الإنسانية وتلاقي الأمم ثقافياً تعني أن تُخضع أمم الجنوب لتسلط الغرب، لماذا تَرفُض هذه المنصة المتطرفة المنحازة، الاعتراف بمرجعية قيمنا وحقوقنا، وهي مرجعية تؤمن بمصالح الإنسانية؟ بسبب مركزها الأخلاقي ودور الروح وضمير الفرد في سلامة البيئة الطبيعية والاجتماعية، من أعطاهم حق المخاصمة ومطرقة القضاء معاً، وعلى أي قواعد فلسفية يُحاجون بها قيم المسلمين؟

6- إن المسألة هنا هو في الرهاب الإعلامي والسياسي الذي تُشعله هذه القوة المتطرفة، لتُخضع الدول والمجتمعات باسم سوطها السياسي وصوتها التحريضي المنحاز، وتستثمر لحظة الدهشة والقلق لفرض طبائعها وسلوكها، على المجتمع المحلي ومحيطه الذي يتجاوز المناسبة، وليس فهم قيم أو تراث هذا المجتمع بحكم أن جغرافيته تستضيف المناسبة، وهو فرصة للتعرف على تاريخ هذا الشعب وأمته في إطار التعدد الحضاري المطلوب في هذه المناسبة.

إن الاخوة في قطر بحاجة ضرورية لتفعيل مسارين في هذه المناسبة العالمية، فهم اليوم يمثلون محيطهم العربي الإسلامي الشرقي كما أشار لذلك الأمير، فالمسار الأول رفض الهيمنة الكولونيالية الغربية، التي لن تكتفي بفتح الباب قليلاً بل بكسره، أما الثاني فهو لغة الفكر والسلوك الأخلاقي الراقي في التعبير عن الرأي، وقاعدة المعلومات والأرشيف الثقافي الذي يُلاقي به أبناء قطر ومن يشاركهم من مقيمين، الوفود العالمية ومنها وفود عالم الجنوب وليس الشمال فقط، فيستمعون منهم لغة الخطاب وتاريخ الحضارة التي اعتبرتها المستشرقة الألمانية زيغرد هونيكه، الحضارة الأستاذية التقدمية للغرب في القرون الوسطي.

إنه الفارق بين التقدم الإبادي للغرب، والتقدم الأخلاقي الحضاري للرسالة الإسلامية وهو مركز الجدل الأساسي، الذي يقوم على الندية واحترام الآخر، ولا يمنع ذلك من تقدير واحترام مساحة التقدم العلمي والمعرفي والقانوني للغرب، ولا يُزكّي في ذات الوقت كوارث التخلف في تاريخ الشرق، لكن الغرب اليوم عاجز ومسبب رئيسي في تهديد سلامة العالم وقوة هدم للعدالة الاجتماعية الأخلاقية، فحري به أن يسمع صوت الطرف الآخر الذي حاصره بإرهابه قروناً.