شيخ الأزهر والقرضاوي في المشهد الماليزي
مهنا الحبيل
19/6/2022
تُساعد طبيعة الإنسان الماليزي الهادئة، في وضع مساحة مهمة لاتخاذ الموقف والرأي المتزن، أو على الأقل التموضع الدقيق في المواقف الإسلامية من الأحداث السياسية الكبرى التي يعيشها الوطن العربي خصوصاً، أو حاضر العالم الإسلامي عموماً، ربما ذلك أيضاً له علاقة مهمة بواقع ماليزيا وأهمية التوازن الذي تحرص عليه، وهو أمرٌ لا يختص بمسألة القوميات المشتركة للوطن فقط، ولكن ماليزيا لها تداخل دقيق مع السوق الغربية والمركز السياسي للكومنولث، وعلاقته بالتاج البريطاني والشمال العالمي إجمالاً.
وهذه قضية دقيقة للغاية لا يُمكن أن يتم التعاطي معها بسطحية أو عاطفة، فمفهوم استقرار الدولة هنا يأتي في أولويات الإستراتيجية التي تحكمها، وهي تشمل تعاملهم مع النظم الحاكمة في الدول العربية، حيث تسعى كوالالمبور إلى بقاء التوازن معها والابتعاد عن التوتر، لأجل مصالحها القومية وطبيعة المرجعية الإسلامية فيها، التي تحمل وداً وانفتاحاً على العطاء الفكري الإسلامي للشخصيات العربية، سواءً كانت في موقع الاستقلال أو المعارضة أو في مؤسسات الدولة.
وفي الاحتفالية الخاصة بتدشين النسخة الماليزية من كتاب زمن اليقظة، والذي أكرمني فيه حضور مكثف من سماحة المفتي د. لقمان عبد الله وعلماء وشخصيات ماليزيا، ومن قيادات منظمة أبيم الناشر للكتاب، عرّفني أحد الأخوة المسؤولين عن الشؤون الدينية بزوجته الفاضلة ذات الثقافة الإسلامية، وفوراً تقدمت لي بتعريف ابنهما والذي أسمته (القرضاوي) ابن محمد، تيمناً واعترافاً بفضل شخصية الدعوة الإسلامية المعاصرة الكبير، الشيخ الدكتور المفكر يوسف القرضاوي، أمد الله في عمره في صحة.
إن هذه الصورة تعكس حجم الروح التي تحملها الأمة الماليزية لأئمة الفكر التجديدي، كما أن هناك رابط عميق مهم بين حركة الفكر والإحياء الإسلامي، التي مثّلها الإمام المعاصر محمد الغزالي والإمام القرضاوي، ومن المهم هنا أن نُشير إلى توثيق وتأكيد، علاقة رحلة النهضة الماليزية وعمقها الإسلامي بأئمة الإحياء الإسلامي، حيث تتصدر صورة الإمام محمد عبده، السيرة الفكرية للكفاح الثقافي الإحيائي للحركة الوطنية الماليزية، في ميدان المقاومة الفكرية للاحتلال، وفي مساحة صناعة مشروع النهضة الماليزي، في تحالف امنو وحركة الشباب الإسلامي أبيم القديم.
فذات الفكرة التي يوثّقها المتحف الوطني، واصل فيها الإمامين الغزالي والقرضاوي بعث منارها، وكان الشيخ يوسف الروح المقربة لهذا المشروع وهو ما يطرح السؤال الكبير الذي لا يمكن تجاوزه، وهو من هو الإمام القرضاوي الذي ملأ العالم الإسلامي ذكره، وحديث منابره وإلهامه حاضر العالم الإسلامي وكان له بصمة واضحة بين الأمة المالاوية.
في الحقيقة أن صورة الشيخ يوسف كانت شخصية مختلفة، عن الشيخ الذي أختُصر من قبل البعض سواءً في المهاجمين الكارهين، أو الذين أعادوا تقزيم مشروع الشيخ في منظومة العمل الإسلامي الحزبي.
لم يكن الإمام القرضاوي مطلقاً ممثلاً لهذه الحزبية، ربما أن الشيخ اتخذ موقفا قرّبه من الكتل الحزبية بحكم أن منهجه المساند لمبادئ الربيع العربي، بغض النظر عن مآلاته وأخطائه التي استثمرتها الثورة المضادة، أساء لصورة الشيخ المقربة من جموع المسلمين من أبناء التيارات وغيرهم، وخاصة بعد خروج اتحاد علماء المسلمين من دائرة المرجع المعرفي العام، وتمثيل وحدة المسلمين الفكرية، التي رابط فيها د. محمد سليم العوا، بحكم أنها تمثل بالفعل رؤية الشيخ القرضاوي، ونحن نسجل هذا الأمر كمدخل للفهم مع الاحترام لجهود اتحاد علماء المسلمين الحالية.
وهذا يعني بالضرورة التوضيح العلمي والفكري، في تحرير صورة الإمام القرضاوي ومشروعه وعلاقته بالأمة الجامعة، وبمسمى أمّة المسلمين وليس تيارات محدودة فيها، فعزل الشيخ في النطاق الحزبي هو ظلم كبير له، ومجافاة للحقيقة، ولقد كانت للشيخ علاقة خاصة بأهل الخليج العربي وبأهل قطر على الخصوص منذ ذلك الزمن، حيث قرار الاحتفاء به المتصل من الأمير الأب رحمه الله إلى الأمير الوالد إلى أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
تواصل هذا الحضور مع المجتمعات الدينية المحافظة في الخليج العربي، وفي قطر حيث مدرسة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود وهو شيخ تجديدي في المنهجية السلفية المحلية في الجزيرة، والشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، أحد أبرز أئمة المدرسة الشافعية في ساحل الخليج العربي، ورئيس دائرة التراث السابقة التابعة للديوان الأميري، والتي اعتنت بإعادة نشر كتب التراث الفقهي الإسلامي وطَبعت كثيراً مما اندثر منه، وبقيت علاقته الحيوية قائمة مع أبناء قطر، وحتى مع الشخصيات العلمائية المحافظة في الجزيرة العربية وكُرّم من دولها.
وللحديث بقية