مهنا الحبيل

30/10/2022

ليس التشجيع المقصود هنا هو الاصطفاف في المدرج الرياضي، فبالطبع كل منتخب يمثل وطنه، أو يمثل الوطن العربي له حقه في التشجيع، في مونديال قطر 2022، ولكن التشجيع المقصود هنا له حكاية أخرى، اذكر أن د. عبد الرحمن السميط رحمه الله، كان يتحدث بغضب وألم، بأن حجم ما يُنفق لمشاريع دعوية، أو شراكة ثقافية مع الغرب، أو اتفاقيات سياسية، يكفي جزء منه لتنفيذ مشروع افريقي عربي، للمسلمين وغيرهم، تتعزز فيه قوة القارة السمراء وتحالفها المخلص مع الدول العربية، وبالذات استثمار الأرض بأيدي أبنائها، لتقدمها الزراعي والتعليمي. 

       وهي رحلة عميقة في وجدان عالم الجنوب، ويُروى أن تواطؤا باريس في تصفية المناضل المغربي اليساري المهدي بن بركة، كان بعد تحركه لصناعة تحالف عربي افريقي، يقوم على فكرة الثورة الحقوقية العالمية، والتخلص من هيمنة فرنسا، التي استبدلت الاحتلال العسكري بنفوذ الهيمنة، ومن يتجرأ على التمرد على ناديها تبادر بحصاره، وهي منظومة تستطيع ابصارها في مسيرة القارة الأفريقية، وحتى بعض المنابر الرسمية التي تلعن باريس في العلن، قد تكون متواطئة المصالح في السر. 

       في العموم هذه المسألة الشعورية عميقة في الذات العربية، وحتى غيرها من شعوب المسلمين، فهيمنة أوروبا القديمة والجديدة أي أمريكا، له سطوة حضور قوي، ويحكم سياسات دول وثقافات شعوب، بعضها مبرر لقوة التنظيم التعليمي والثقافي والإعلامي في الغرب، فضلاً عن منبره السياسي، وبعضها ضحية الهزيمة النفسية، التي لم تحاول خرق النظام العالمي الجديد، وصناعة فرص تحالف تنموي للعرب وأفريقيا السمراء، رغم اتحادنا الحدودي، وأن الإسلام يمثل هوية قومية لشعوب عديدة في افريقيا، أو دين محترم لأتباع القبائل الوثنية العريقة في افريقيا. 

       وهذا لا يعني رفض المشترك الإنساني مع الغرب، ولا جسور التعامل والحوار، فضلاً احتياجات الجاليات المسلمة الضرورية، لكنه يبقي السؤال مفتوحاً كم أعطينا لجسورنا مع أفريقيا بالمقابل؟ 

       إن العهد الأفريقي الجديد تصعد فيه قوة تمرد فكري وسياسي حديثة، وهو يقوم على ثنائية رفض الاستبداد المطلق، والفرنكوفونية الكولونيالية بكل مساراتها، وهذا الحلم الأفريقي لو تحقق فهو يمثل دعامة جيوسياسية غير مسبوقة للوطن العربي، نلاحظ هنا أن موسكو وبكين قد بادروا لها مبكراً، ولكن العرب تخلفوا رغم علاقتهم العميقة والحديثة، فطموح الأفارقة التي يبرز فيها تجارب على الأرض في روندا وغيرها، يشترك معهم فيه الحلم العربي القديم، دولة ذات سيادة فعلية وعدالة اجتماعية واستقرار سياسي، تحيطه بالنسبة للمسلمين الهوية الإسلامية وقيمها. 

       هذه الهوية المشتركة تتعرض لتيارين شرسين لتحطيمها في افريقيا: 

الأول: نجاح باريس ذات الإرث التاريخي الأسوء في اضطهاد الأشقاء الأفارقة، في خلق فريق ثقافي أفريقي، تطوع بصرف جرائمها، لتحويل ارثه على المسلمين لا كأشخاص وطغاة أو فاسدين، ولكن للتحريض ضد الرسالة الإسلامية ذاتها، ولم يُقدم لنا هذا الفريق أي دليل مقنع، عن لماذا فتحت القبائل الوثنية الأفريقية أذرعتها لصوت الإسلام الأول والعرب الراشدون، وماذا كان مآل هذه القبائل مع الغزو الفرنسي؟ 

الثاني: هو أنك تَعجَب في أفريقيا من انتشار التيار الجامي أو السلفية المتشددة، التي أضعفت مسار الفكر الإسلامي، وأثخنت في الجسد الجنوبي، الذي تقتطع منه ايران أيضاً جزءً، لا لمصالح الأمة الإسلامية الواحدة، ولكن لصناعة جزر مذهبية، تتسابق فيها مع الغرب لانتزاع وحدة الفكرة من شعوب افريقيا. 

       وهذا لا يعني تأطير كل إنسان أو مثقف في مذهب فكري أو ديني ملزم، لكنه إشارة إلى أثر هذه المشاريع الضخمة في دفع الدواليب لعرقلة عجلة أفريقيا التي تسعى للتقدم والتنمية، ولسان بعض أبناؤها عربي مبين، ودوي القرآن في مسابقاتها لا يهدأ. 

       إنه من المؤسف أن بعض اتباع المدارس التقليدية الصوفية أيضا، اهتموا بالطقوس بدلاً من العودة إلى الفقه الرشيد للأمة، وبالتالي فإن تشجيع أفريقيا اليوم يجب أن يتصدر الاهتمامات، بدعم وحدة أوطانهم ومشاريع التنمية والكفاح الحقوقي والنهضوي، والخروج من هذه المعارك التي تضعف وحدتهم. 

       ومن طبيعة كأس العالم أن تحضر أسماء الدول وشعوبها، مع تشجيع اللعبة الجميلة وصناع الملعب الأخضر المميزون، وهي فرصة للتواصل مع الجماهير ومع الأطقم الرياضية ونقل ذلك عبر الإعلام الخاص والعام، لتعزيز روابطنا الكبيرة، مع الأمم الأفريقية، وخاصة النجوم من حملة القيم والمبادئ الأخلاقية.