مهنا الحبيل
8/1/2023
يؤلمني هذا المشهد في الخلاف القاسي بين الأشقاء في الجزائر والمغرب، وأشد ما يؤذيني هو انتقاله بصورة حاشدة إلى الشعبين، واشتعاله في السوشل ميديا، وطَيَشان التعبير فيه، والقفزُ إلى مستويات مشينة غريبة، بين الأهل، نعم إنهم الأهل هكذا ننظر لكلا الشعبين العربيين المسلمين، وهنا نحن لا نُفرق بين الأشقاء من قبائل الأمازيغ ومن هو من أصول عربية، العروبة هنا عروبة لسان، ولغة القرآن، أوضحتُ هذا المعنى، لتأكيد نظرتنا لأهلنا من كل أعراقهم، التي وحدها القرآن الكريم، وهل بعد وحدة التنزيل المقدس من بيان.
لقد مررنا في الخليج العربي بتجربة قاسية، عانينا منها كثيراً، والحمد لله على طيّها، ولكن بعض ندوبها لا تزال باقية، ولذلك نحن نستشعر خطورة هذا الانقسام، ونحن إذ نتعافى اليوم، وخاصة حين استثمر أهل الخليج العربي، تأكيد روابطهم في مناسبة كأس العالم، واحتشدت القلوب والمشاعر، مع أهل قطر، أولاً في روح ضيافتهم، ومودتهم الخاصة لأهلهم في الخليج العربي، التي صححت تلك الأوهام.
ورأت نموذجاً أخلاقيا راقياً من أهل قطر، يؤكد معنى الروابط، وتجاوز الأزمة بأبهى صورة، وهو وإن شمل كل الزائرين العرب، لكن كان له تأثيراً رائعاً في احتضان قطر، لأهلهم في الخليج العربي، وأن المقولة القديمة متجذرة، أهل قطر من كل خيرٍ قريب.
ثم في اتحاد الموقف القيمي الذي احتفى به أهل الخليج العربي، كونه يقدم باسم بيئتهم من الشال إلى السنبوك والمحمل والذلول وبيت الشعر، الذي حمل إلى المونديال أعز شيء على الأمم وهي أخلاقها، راجين من الله عز وجل، أن يُبصرنا دوماً وشبابنا، بأن تكون رسالة الأخلاق واجباً لا نغادره، لا في الواقع ولا في السوشل ميديا، فهو من عهد الله وراء الكاميرات أو خلفها، (وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْـُٔولًا).
ولذلك نفزع مما نراه من لغة مؤسفة، تضرب جناحنا الأغر في الشمال الأفريقي، وكيف كنا بالأمس في حرج، من آثار الأزمة على خطاب البعض في الخليج، نستحي من أنفسنا ومن اشقائنا العرب والمسلمين، ثم نرى الكارثة تتكرر.
إن هذه الحالة اليوم، تشير إلى مستوى أسوء من الأزمات السابقة، ولعل سيطرت وسائط الإعلام والسوشل ميديا، والفوضى التي تعيشها القرية الكونية تحت ضغط الصورة المنقولة، ساهم في هذا المستوى، الذي يوجب على المسؤولين في البلدين، تقدير خطرها والعمل على وقف آثارها.
وهذه الأزمة لا خير يرجى فيها للشعوب، فهي مضرة ولن تُحقّق عبرها أي مساحة للإصلاح والحقوق، كما أن المستثمر لها هو المركز الاستعماري، الذي بات يتسلل إلى ثقافة الشعوب وليس الدخول بين الدول وحسب، في ظل التيه الفكري الخطير، الذي يهز أيمان الشباب وينقض سكينتهم الاجتماعية، أو يحول الإحباط من الواقع الذي يعيشه الشاب، إلى شحنات تفريغ سيئة في سلوكه، وفي علاقاته مع مجتمعه القريب قبل الجار اللصيق.
ولذلك فطول الأزمة وخاصة أنها تكررت في عقود عديدة، ولها جذور تسبق أزمة الصحراء، سوف يخلق خندقاً فاصلاً وأشد توتراً، وحتى حين يقال أنها رحلة ستطوى، وتعود علاقات العاصمتين، فإن هذه الآثار تقوي جذور الخلاف، وتحيي روح القطيعة، ونحن هنا في مستوى الشعوب والدول في الخليج العربي، لا بد أن نقف موقف الداعم للصلح، ونتجنب أي استقطاب بين الأشقاء، حتى لو كان فردياً أو في السوشل ميديا.
وحيث أن الدوحة خرجت بأجمل ثوب بين العرب، في المونديال، وحافظت على توازن منضبط، منفتح على الأشقاء، ولحضور شخصية سمو الأمير الشعبية في كِلا القطرين، خلال فعاليات كأس العالم، حتى لو لم تكن الجزائر حاضرة في الملعب، فهي حاضرة في المشهد وفي المناسبة والمتابعة، ولخبرة دبلوماسية قطر في حل بعض الأزمات، فأني آمل أن تتحقق مبادرة يقودها سمو الشيخ تميم، لتحقيق الصلح بين البلدين، ولو على الأقل وقف التصعيد بينهما.
والرصيد المتاح للدوحة وروح المباشرة والتفاعل، التي حملت الأمير لعدة زيارات لقارات العالم، هي مدخل عملي مهم لرأب الصدع بين الأشقاء، وأن جهد سمو الأمير الذي يُنتظر أن يُدعم خليجياً وعربياً وأفريقياً وإسلامياً، سنجد صداه بعون الله، فنحمد الله على طي هذه الأزمة، وهو طي لن يحل المشكلة التاريخية، لكن يعيد الأمل لفرصة تجاوزها، وإغلاق ملفها للأبد.