كيف ندعم قضية مسلمي الهند؟

مهنا الحبيل

5/10/2021


ما تعرّض له مسلمو الهند في آسام لم يكن حادثة عارضة، ولا جولة اضطهاد معزولة، وإنما سلسلة قديمة من الاستهداف الممنهج، سبق أن وقع في عهد حكم حزب المؤتمر الوطني، الذي يُضفي على نفسه شرعية وطنية أخلاقية باسم انتساب تاريخه للمهاتما غاندي، ولكن في الحقيقة إن تعليمات المهاتما غاندي لم تُطبق، وتم خرقها عنصرياً منذ حكومات المؤتمر، لكن حزب المؤتمر ظلت كليّات خطابه، وقواعد تعامله العام مع مسلمي الهند، تحت السقف القومي المعقول للهند المستقلة، أما اليوم فالأمور تنحدر لما هو اسوأ.

فسلسلة التهجير والقمع الأمني المتوحش، تستعر في الهند تحت حكم الحزب المتطرف بهاراتيا جاناتا، وقيادته الاسوأ في تاريخ الهند الحضاري، وفي علاقة إنسانها بكل أديانه وأعراقه، وفي علاقة الهند بأفقها الشرقي الكبير، ونحن نؤكد على فترة الكفاح ضد الاحتلال، وهي سياسة يسابق فيها زعماء الحزب قاعدتهم الميدانية التي تُنفّذ المجازر أو القمع، في الولايات الهندية، ولك أن تتصور أي حالة سياسية ممكن أن تعيشها دولة، وقادة الحزب الحاكم لا يكفّون عن التصريح ضد أقلية كبرى لديهم، انتماؤها أصيل في تكوين الهند الحديث، تشهد بذلك معالم تاريخها.

وهذه فاجعة أخرى للشرق، أن يتغول التطرف الفكري ونزعته النازية الدموية، على تاريخ التعايش وفلسفة الشرق الأخلاقية، فضلاً عن الضحايا المضطهدون، فما حيلة مسلمي الهند أمام هذه العاصفة الهوجاء؟

دعونا نؤكد اليوم على مسار مختلف للبحث خارج الصندوق، عن بنية فكرية ممكن أن يتشكل منها أرضية سياسية لمستقبل آمن لمسلمي الهند، وكل مواطنيها من الهندوس وغيرهم، تتخذ من الفكرة الديمقراطية جذراً للانطلاق، لكنها تعتمد الواقعية السياسية والإمكانيات، وهنا سنواجه مشكلة تصور قائمة على منظور خاطئ في تقدير الموقف، وهو النظر إلى فزعة من الدول الإسلامية تضغط على الحكومة المتطرفة، وليس في هذا الموقف خطأً مبدئياً، ولكن المشكلة في الرهان عليه.

فمع تذكيرنا بواجب هذه الخطوة، وأهمية إنذار الهند والضغط عليها اقتصادياً وسياسياً، وهي سياسة تتبعها الولايات المتحدة الامريكية والإتحاد الأوربي وروسيا، في خطاباها مع الدول، التي يتعرض فيها مسيحيو الشرق لاضطهاد، فتبعث هذه الدول تهديدات ضمنية، ونؤكد هنا أن مسؤولية دول الشرق المسلم، هي حماية الأقلية المسيحية وغيرها، ورفض أي سلوك حكومي أو شعبي متطرف ضدهم، لكن في نهاية الأمر فإن هذا الملف يعبر إلى عواصم القرار الغربي، وتفعّل رسائله، وهو في الهند اشد بشاعةً.

أما سبب الإشكال فهو الرهان عليه وربط مسلمي الهند بأمل كاذب، بسبب انهيارات الشرق، وسيطرة مصالح بقاء الحكم، التي تعتمدها الأنظمة لأجل استمرار نفوذها، وتقاطعاته الإقليمية والعالمية، وذلك لا يمنع المسلمين الهنود من تواصلهم الحذر مع الحكومات ومنظماتها، لأجل أي مساحة دعم.

في ذات الوقت يجب أن تكون مستويات الحذر عالية في لغة الخطاب، فلا يتحول إلى تحريض على مصالح العمالة البشرية من غير المسلمين، ولا تزاد مساحة الاحتقان الديني مع الهندوس، فهذا سيرتد على مسلمي الهند، وعلى علاقات الشرق المتعددة، كما أن بغي حكومات الهند على مسلمي كشمير المتعاقب، ستزداد ضراوته على مدنييهم وحركة التحرر المدني.

والصراع بين باكستان والهند، ملفٌ من جمر ملتهب أي استدعاء له، سيفسد أي جهود ممكن أن تطفئ نار التصعيد الديني والقومي، وهناك مشكلة في استدعاء دول الخليج عند كل أزمة لمسلمي الهند، فالاستدعاء هنا يبرر بأن هذه الدول تملك حلاً سحرياً لوقف أي تعدي، وهذا غير صحيح، رغم مسؤولية بعض الأنظمة والمشاريع في الخليج العربي، في دعم التطرف الهندوسي، لكن الدعم الدولي والإقليمي لمسلمي الهند، لا يقف عند مصادر النفط هذه نظرة خاطئة، وإنما عند كل وسيلة دبلوماسية واقتصادية ضاغطة، لكل دول العالم الإسلامي وليس دول الخليج فقط.

أما المسار الآخر وهو مسار مهم للغاية، فهو فهم الحالة الوطنية والثقافة الاجتماعية لمسلمي الهند من جهة، ولمواقف التيارات الوطنية المدنية فيها من جهةً أخرى، ففهم موقف مسلمي الهند وتياراتهم الفكرية الجديدة، وإدراكهم لمعادلة التوازن الضرورية في وطنهم الهندي، لا بد أن يُستمع لها جيداً.

وان تكون منصات الوعي العربي إذا استقلت ورشدت، عن مواسم التوظيف متداخلة مع هموم مسلمي الهند، وتقدير سياسييهم ومفكريهم لهذه المرحلة الخطرة، فهناك نواب في البرلمان الهندي وهناك كتاب ومفكرين ونشطاء شباب، يعتمدون أرضية المواطنة والمؤسسات الدستورية والخطاب الوطني المدني العام، كلغة تفاهم تناضل في منصات الدولة الهندية، وهذا يجب أن يدعم في الخطاب السياسي العربي.

فلا يجوز أن تقدم الأقلية الهندية المسلمة الضخمة، وكأنها جماعة بشرية منعزلة عن الدولة، بل يجب أن تُدعم ويُضغط على الحكم المتطرف والتيارات المتواطئة معه، بفتح باب التعبير وتعزيز المشاركة لمسلمي الهند.

اما المسار الثاني فهو تجنب اعلان مواجهة في قضية المسلمين المدنية والحقوقية، مع المختلف الديني، هذا خطأٌ كارثي ولا يقوى المسلمون في الهند على تحمله، إنما معركة التعايش الإنساني والنماء الوطني، تعتمد رفض ثقافة الكراهية والعنف والتطرف القومي، للحزب الحاكم ومن يؤيده، في حين هناك في الهند حركات مدنية عديدة جل كوادرها وأنصارها، من الديانات الأخرى ومنهم الهندوس مع البوذيين والمسيحيين والمسلمين وغيرهم.

هذه القوى تُشكّل حركة مدافعة مدنية مهمة لا تزال تؤثّر في المعادلة السياسية في الهند، رغم شواهد الفساد الضخمة، ومعالم التلاعب الذي يجري في تجربة نيودلهي الديمقراطية، وأزمتها الكبرى في تقديم التطرف على الوطنية الإنسانية التي تحتاجها الهند، وهناك أزمات سابقة جرت بين متطرفين هندوس ومواطنيهم المسيحيين، وكذلك السيخ، فالمسلمون اليوم يحتاجون لدعم وتغطية إعلامية نوعية تشرك حلفاؤهم الحقوقيين، لخلق حصار من داخل الهند وخارجه، يهزم حراب التطرف البغيض.