الكويت..المستقبل الآخر

مهنا الحبيل

28/6/2022

جاء إعلان الشيخ مشعل الأحمد ولي العهد الكويتي، لحل مجلس الأمة في زمنٍ تراكمت فيه التوترات السياسية بين الحُكم والمعارضة الوطنية، وهنا قلنا الحكم الذي يشمل قطعاً مركزية الأمير ومرجعية ذاته الدستورية، لكون الدعوة إلى الانتخابات وحل المجلس، واختيار رئيس الحكومة وقبول استقالتها هو من صلاحية الأمير، سواءً في بيانه الشخصي أو من يمثله حين يفوض كولي العهد، وهو تاريخ سابق برز كثيراً في عهد الشيخ جابر الأحمد وولي عهده الشيخ سعد العبد الله.

وهذا ما يُعيد السؤال عن تاريخ التأزم السياسي في الكويت، هل هو مراحل منفصلة أم تعاقب دورات متصلة، وهو المرجح، أما البعد الثاني للحل فهو أن مجلس الأمة الذي حُل، شُكّل من انتخابات أقصي منها في حينه رموز المعارضة الوطنية، الذين كانوا في المنفى، والشباب الذي تم اعتقالهم وأودعوا السجن السياسي، وهو ما يعني أنه ولد في زمن تأزم، ربما كان من صالح الدولة في الحكم والمعارضة الخروج منها، بغض النظر عن مساحات الصراع الأخيرة داخل وخارج المجلس.

وهو ما يأخذنا أيضاً إلى أعلى نقطة في التوتر السياسي، جرت خلال الأزمة الخليجية وكانت هناك مخاوف كبيرة، من أن التحريض الخارجي خلالها سوف ينتهي إلى عملية مواجهة بين الحكم والمعارضة، تخالف قواعد تعايش الكويت مع الحياة السياسية فيها، وتنقض الهامش الديمقراطي الذي تتمتع به، وهذا الخروج مر بمنعطف صعب انتهى بقرار العفو للشيخ نواف أمير الكويت، قرار لعب فيه عبيد الوسمي دوراً مركزياً، لكنه أثار ولا يزال صخباً حوله، وأنه أعطى الحكم وبعض الشخصيات مالا تستحق، واستثمر ضجيج الإنجاز.

إتهام صعب، التمهل عنده لا يعني أن الوسمي لا يتغير أو لم يتخذ تموضعاً جديداً لحياته السياسية، لكن الذي يعرف تاريخ الكويت وتاريخ الدول المحيطة، والتعامل الشرس مع المعارضين يضعها في سياق آخر، فمهمة الوسمي كانت الخروج من ذلك الخندق المتوتر الصعب، والتنسيق مع المعارضة وخاصة قائدها التاريخي مسلّم البراك، للوصول إلى صفقة وطنية تعيد المنفيين وتطلق سراح المعتقلين، وتعيد الصراع السياسي إلى داخل الكويت، وبالتالي تظل قواعد اللعبة سارية للتوازن الوطني الاجتماعي لأهل الكويت، التي تحيط بها عواصف لا تهدأ من مواسم التوترات الإقليمية.

إن المشكلة هنا في أن قواعد هذه اللعبة، كانت قد اختلت قبل الغزو العراقي للكويت 1990، وأن أحد مسارات الاستثمار لمشروع حزب البعث العراقي، كان غياب المؤسسة التشريعية وسقفها المطلوب لمناقشة الأمن القومي، ولذلك كانت أحد أهم مخرجات المؤتمر الشعبي الوطني في جدة، الذي اتحدت فيه المعارضة مع عودة الأسرة الحاكمة، هو منح المشاركة الشعبية سقفها الكامل الذي نص عليه الدستور، عبر حكومة القرار الشعبي.

ولكن الموقف الحكومي ظل يؤخر هذه الوعود حتى سُحبت من الطاولة، وتزامن ذلك مع حالات مروعة من تضخم الفساد، حتى بات مثلاً يضرب به في الكويت، رغم أنها كانت من أوائل الحواضر التي تطورت منذ الستينات. تكررت دورات المواجهة، التي تصاحبت مع رياح الثورة المضادة، ورفعت المعارضة سقف خطابها، قبل أن تؤطر الدولة الوضع عبر المؤسسة الأمنية والأحكام القضائية.

ولذلك لا بد هنا من إعادة تأسيس منطلق التوتر، فلو كانت المركزية الحاكمة منحت المعارضة والصوت الشعبي حقه، لما وصلت الأمور إلى هذا الانغلاق، ولما تربع الفساد على عرش الحياة الاقتصادية، للدرجة التي لا يمكن للأمير وولي العهد من معالجة نفوذه، دون شراكة شعبية تشريعية قوية.

لقد عانت الكويت طويلاً من أثر هذا الفراغ الخطير، تصادم لساني شرس وتذمر شعبي مبرر، لغياب الخطوات المركزية لدفع السلطة التنفيذية للعبور إلى الإصلاح، ولا يمكن لها العبور دون شخصيات منفصلة عن مصالح جمهورية الفساد العميقة، ودون حق المساءلة الذي يحتاج أن يستقل كلياً عن مواسم التوظيف وصخبه، في ذات الوقت تضخمت قضية البدون الإنسانية، ووجب حلها في مسار حق المواطنة للمستحق أو الاستيعاب للبقية في القوى البشرية، وهم أهل البلاد ومواليدها، فرفع الظلم عنهم واجب فوري.

إن المستقبل الآخر للكويت يرتبط بالضرورة، بواقع الإقليم وبالصراعات السرية والحسابات الصعبة مع الأشقاء في الخليج، ومع المحيط الإقليمي المتوتر الذي يرمي قذائفه من جنوب العراق، وهو ما يعني أن الإصلاح ضرورة الضرورات، في ذات الوقت يجب أن ترسخ قاعدة اللعبة الجديدة، بين المجتمع المدني واطياف المعارضة وخاصة احمد السعدون ومسلم البراك، والدولة في مركزها الكبير الممثل بشخصية الأمير وولي العهد، غير ذلك ستكون تكلفة أي توتر آخر كبيرة جداً.

وأعتقد أن هناك فرقاً كبيراً بين سقف التعبير الذي تطرحه أطياف من المعارضة، وبين ما يمكن أن يُحقق لإنقاذ الكويت واستقرارها، ونحتاج التذكير أيضاً، إلى أن ميراث الربيع العربي اليوم، تحت قبضة الثورة المضادة، وأن خطوط الاتصالات بين الحكومات نافذ، والمراهنة على دول محور صديق للإسلاميين وغيرهم من المعارضين في تركيا وغيرها، كان وهم كبير، كشف عنه استقبالات أنقرة الرسمية، بعد التوتر الضخم مع السعوديين.

وألمس بوضوح إدراك عميق، من قائد الحراك الوطني الإصلاحي مسلم البراك لهذه التوازنات، البعض يتهمه بالتخلي عن مسؤوليته، وهذا غير صحيح فيما يبدو، لكن الرجل أدرك معنى الذهاب إلى سقف مواجهة غير ممكن، وأن من المهم الإبقاء على شعرة معاوية وهي في حالة الكويت جسراً متفاعلاً مع الأمير.

فالسؤال الكبير هو أين ذهبت الكرة وفي مرمى من، لكي يرد بقرارات تفتح أبواب الإصلاح وتغلق أبواب التهديد، وهي هنا بلا شك موقع الأمير وسياسة الحكومة التنفيذية، ولعل ما يساعد في ذلك أيضاً هدأت البال الضرورية بين أطياف المعارضة لكي يكون الجميع داخل السور الكبير قبل أن يهدم.