الصراع الديني بين المسلمين والإسلامفوبيا

مهنا الحبيل

29/3/2022

يركز المشهد الآني عند كل حادثة كراهية تمييز أو عنف إرهابي ضد المسلمين على صورة الواقعة والمعتدي المباشر، ويختفي من التغطية تلك الأرضية الضخمة التي صنعت أو دعمت نفوذ الاسلامفوبيا، سواءً في الدول الغربية أو في الرواق العالمي، وعليه تتحول مواسم الإدانة وحتى القرارات الدولية ذات الصلة إلى حفلات كلامية، ونحتاج هنا لطرح ضرورة نقد الذات في الخطاب الديني والشعبوي المرتبط به، الذي يساعد في تشويه صورة المسلمين ويشكك في قناعة أجيالهم بالرسالة الإسلامية.

وهو هنا ليس من باب إغلاق الأبواب نهائياً على حملات الكراهية ضد المسلمين ورسولهم ﷺ، فهي لن تُغلق لكونها تقوم على معادلة عنصرية متجذرة وسياسات استثمار دولية تستخدم حملات الكراهية لاستمرار تمكن الكولونيالية الغربية، كولونيالية لم تتغير في مشروعها وإنما في أدواتها، من الاستعمار العسكري إلى النفوذ الاستعماري، وهنا الاسلامفوبيا وظيفة حاضرة في أدوات الدولة العميقة في الغرب، وإن رُفعت الأصوات بغير الحقيقة.

ولكن أزمة بعض الخطاب الديني ولم نقل الإسلامي لكون الإسلام هو الرسالة الحقة التي يؤمن بها المسلمون، لا يزال يستخدم مفردات ولغة حادة ضد غير المسلمين وتُخلط هذه المنابر بين من يمثل العمل العسكري والسياسي في الضفة الأخرى المعتدية على المسلمين، وبين بقاء الأصل في التعامل بالإحسان مع الشعوب والجسور المدنية والإنسانية، ورغم وجود نماذج حاشدة من أطباء ومهنيين ودعاة وغيرهم، تركوا ولا يزالون بصمات خير وجسور تكاتف مع الشعوب والأقليات غير المسلمة.

إلا أن انفجار منابر الجهل والتحريض يُستثمر لإخفاء صورة تلك النماذج الخيّرة، يكفي أن نستذكر ماذا يجري من ملاومة وتعصب بل وتكفير عند تهنئة مسلمين لمواطنيهم أو جيرانهم أو رفاقهم من المسيحيين، في مناسباتهم كأعراف اجتماعية لكل قوم وهي مرتبطة بالضرورة بتراثهم الديني، والإصرار على أن عبارات المجاملة والملاطفة في تجدد هذا اليوم وتمني السعادة للفرد أو الاسرة الصديقة ولاء عقائدي.

فماذا لو وضع هذا المسلم ذاته في مكان تلك الأسرة أو الأفراد المسيحيين، وهم ينظرون لتكفير المسلم الذي يُعايدهم أو يُلاطفهم بعبارات أخوية وهي من إحسان الإسلام ومراعاته للشعوب فضلاً عن الجوار الوطني أو الاجتماعي، واستَذكَر أنهُ يعيش بين ظهراني هذه الكتل من خطب التحشيد كأقلية أو مقيم، فما هي المشاعر التي تنتابه حينها؟

إن هذا السلوك الخطابي والاحتقان الاجتماعي الديني الذي يصنعه، يمثل أداة فاعلة بأيدي القوة العميقة التي تستهدف المسلمين، وهو يخلق أرضية صراع ونزاع وتخويف بينهم وبين بقية الأقليات، التي تعرضت للقمع خلال صعود جماعات التوحش الديني الأصلية أو الموظفة، بالمقابل لا تجد المجتمعات المسلمة والكتلة السُنية الكبرى فيها هذا الصدى، لماذا ..

لأن هذا المشروع الكولونيالي ذاته، يعتمد هذا التطفيف لبقاء أرضية إعلامية وسياسية تُشير إلى خطورة أي قوة ديمغرافية فاعلة ممكن أن تؤثر على مصالحها، وبالتالي فهو هنا يرفع الصورة أو يخفضها بناء على هذه اللعبة السياسية القديمة والجديدة، وتكون صورة التحريض والخطاب الديني الحاد أداة بيده يدفع بها من داخل مجتمعات المسلمين، وفي خطابه الموجه للإنسان الغربي أو من يُقيم في أرضه، أو حتى أجيال المسلمين الحائرة، وكأنهُ يقول انظروا ممن يشتكي من الاسلامفوبيا كيف يفعل في أرضه ومع أقلياته.

وهكذا يُمرر التطفيف الذي يُعزّز حضور قوة الاسلامفوبيا في الصورة العالمية، ويُنقل إلى الشعوب الأخرى خارج أوروبا وامريكا الشمالية، وهنا نحن أيضاً لا نزال نعاني من آثار اللعبة الطائفية القذرة التي أُديرت بين الجمهورية الإيرانية وأنظمة رسمية عربية، في استخدام الانقسام الطائفي، الذي ذهب ضحيته مئات الآلاف وتوترت العلاقات، دون أن يحمي ذلك بلدان المسلمين ولا يعالج العلاقة بين القوميتين العربية والفارسية وكليهما من أمم المسلمين.

وهذه أمور لها جذور ضاربة في التاريخ مع الأسف الشديد، ولن تُحل اليوم ولا الغد القريب، ولكن المهم والواجب هو خلق وتدعيم خطاب التعاون على البر والتقوى بين مجتمعات المسلمين والإحسان بينهم، دون أن يعني ذلك إعطاء أي فرصة للتدخل السياسي وتمكين القوى الصهيونية والإقليمية والدولية من الأرض العربية أو أقاليم المسلمين، إن من الملفت للنظر أنك تجد أن فقه التآلف والتسامح بين المجتمعات سواء في المسلمين السُنّة والشيعة، أو بين المسلمين والمسيحيين قد ارتفع خطابه، قبل قرن من الزمان وأكثر، وأنه تراجع بشدة اليوم وخاصة بعد آثار اللعبة السياسية.

وهو ما يؤكد من جديد على أن المسلمين بحاجة إلى مراجعات ودعوات التزام أخلاقي بينهم، لإغلاق أبواب الفتن الداخلية، فهي البوابة الكبرى ومدخل حروب الاستنزاف الضخمة لمجتمعات المسلمين، ولا نستطيع اليوم أن نتجاهل دور الجمهورية الإيرانية المستمر، وخاصة بأنها تمثل المذهبية الدينية المتشددة، وهو ما ينعكس على علاقات المسلمين الشيعة والسُنة.

وبقية الأنظمة (السُنية) لها كفلها لكنها ليست أنظمة دينية، فالنظام السعودي على سبيل المثال لا يمثل حكماً دينياً ولكن فكرة ثيوقراطية يوظفها ويتلاعب بها لصالحه، فيما هو اليوم يسحق التيارات السُنيّة وبالذات ذات النزعة الإصلاحية.

إنه مما يُدمي القلب أن تستمر عمليات التفجير المجرمة في مساجد الشيعة، كحوادث باكستان الشنيعة، ولا يزال الحبل على الجرار إذ أن جماعات العنف، تستثمر حملات الجمهورية الإيرانية على الأقاليم السنية وضحاياها في سوريا والعراق وغيرهم، وهي تواصل الزحف لصالح نفوذها في ظل هذا الانقسام، لكن هذا لا يجوز أن يمنع ضرورات التذكير بحق المسلمين وحق الإنسان، وتذكير الجماهير المسلمة بالمفهوم القرآني المقدس في قوله تعالى (مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جميعاً) وقوله (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، إنها موعظة عن إثم الكراهية بين المسلمين قبل غيرهم.

1 Comment

  • romantik69.co.il, أبريل 3, 2022 @ 6:16 م

    Very nice write-up. I definitely appreciate this site. Thanks!

Comments are closed.